العيون الآن.
يوسف بوصولة / العيون.
تعد أزمة المياه بين المغرب والجزائر واحدة من أكثر الملفات الاستراتيجية حساسية، حيث تتقاطع مع تحديات بيئية وإقليمية متزايدة. وفي هذا السياق أفادت صحيفة “لوموند” الفرنسية بأن وادي غير الذي ينبع من جبال الأطلس الكبير في المغرب ويمتد إلى الجنوب الغربي للجزائر، تحول إلى محور خلاف جديد بين البلدين، في ظل الجفاف الحاد والظروف المناخية الصعبة التي تضرب المنطقة خلال السنوات الأخيرة.
ووفقا للصحيفة الفرنسية فإن الجزائر تتهم المغرب بالمساهمة في تفاقم أزمة الجفاف عبر تشييد سدود على وادي غير، ومن أبرزها سد قدوسة الذي بدأ تشغيله عام 2021 بسعة تخزينية تصل إلى 220 مليون متر مكعب.
ونقلت الصحيفة تصريحات وزير الموارد المائية الجزائري، طه دربال، خلال المنتدى العالمي للمياه في بالي في ماي 2024، حيث قال إن المغرب يتبع “سياسة تجفيف متعمدة” للمناطق الحدودية الجزائرية. وجدد دربال هذه الاتهامات خلال اجتماع عقد في سلوفينيا في أكتوبر 2024 حول حماية الأنهار العابرة للحدود، متهما المغرب بـ**“تقويض التدفقات المائية السطحية”** المشتركة بين البلدين.
ووفقا للمصدر ذاته فإن سد قدوسة المشيد على وادي غير داخل الأراضي المغربية، يعد السبب الرئيسي لهذه الاتهامات. وتؤكد “لوموند” أن تشغيل السد أدى إلى انخفاض حاد في تدفق مياه النهر، ما تسبب في جفاف مطول لسد جرف طوبة الجزائري، الذي تبلغ سعته التخزينية 365 مليون متر مكعب.
وتضيف الصحيفة أن الجفاف الذي أصاب سد جرف طوبة تسبب في كارثة بيئية، حيث نفقت أعداد كبيرة من الأسماك، كما هجرت الطيور المهاجرة المنطقة. وتأثر سكان مدينة بشار الجزائرية بشكل مباشر، حيث عانوا من أزمة حادة في مياه الشرب، واضطر بعض الأحياء إلى انتظار المياه لفترات تصل إلى عشرة أيام.
في المقابل، نفت مصادر مغربية هذه الاتهامات واعتبرتها “مبالغ فيها” مشيرة إلى أن الجزائر تحاول التغطية على سوء إدارتها لأزمة المياه.
ونقلت الصحيفة الفرنسية عن خبير فرنسي متخصص في الموارد المائية أن المغرب كان يستفيد من 8 ملايين متر مكعب سنويا من مياه وادي غير قبل بناء السد، لترتفع النسبة إلى 30 مليون متر مكعب بعد تشغيله. وأضاف أن هناك روافد مائية أكبر بثلاث مرات من وادي غير تصب في النهر بعد السد، مما يقلل من تأثير نقص المياه على الجزائر.
وبحسب “لوموند”، تخطط الجزائر لإقامة مجمع صناعي ضخم للحديد والصلب بالقرب من بشار لمعالجة خام غارة جبيلات، حيث سيتم نقل المواد الأولية عبر خط سكك حديدية يمتد لمسافة 950 كيلومترا بحلول عام 2026.
وفي المقابل، أشار التقرير إلى أن القطاع الزراعي المغربي استفاد من مياه وادي غير لتوسيع زراعة التمور في وادي بودنيب، حيث تمت زراعة آلاف الهكتارات من النخيل، إلا أن الموارد المائية المتاحة لم تكن كافية، ما دفع المزارعين إلى استنزاف المخزون الجوفي بشكل غير مستدام.
يؤكد التقرير أن الخلاف حول المياه يضيف بعدا جديدا للأزمة الدبلوماسية بين البلدين، والتي بلغت ذروتها منذ إعلان الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب في 2022. ووفقا للصحيفة، فإن هذه التوترات المتصاعدة قد تعمق الخلافات القائمة مما يزيد من تعقيد العلاقات بين الجارين في المستقبل القريب.