العيون الآن
الحافظ ملعين _ العيون
احتضنت مدينة العيون، صباح اليوم السبت 21 يونيو 2025، ندوة وطنية كبرى بعنوان “من شرعية التاريخ إلى رهانات المستقبل”، وذلك تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، وعلى هامش المنتدى البرلماني للتعاون الاقتصادي بين المملكة المغربية ودول مجموعة “سيماك”. وقد نظمت هذه الندوة من طرف مجلس المستشارين ومجموعة العمل الموضوعاتية المؤقتة المكلفة بتقديم الاستشارة حول القضية الوطنية الأولى، الوحدة الترابية للمملكة، وشكلت مناسبة مؤسساتية لتجديد النقاش حول الأبعاد السياسية والدبلوماسية والتنموية لقضية الصحراء المغربية.
الندوة شهدت حضورا وازنا ضم رئيس مجلس المستشارين، وعددا من أعضاء الحكومة، ووالي جهة العيون الساقية الحمراء، والمنتخبين الجهويين والمحليين، وشيوخ وأعيان القبائل الصحراوية، بالإضافة إلى برلمانيين وفاعلين مدنيين وإعلاميين، مما أعطى للحدث بعدا وطنيا جامعا يعكس مكانة الصحراء المغربية في صلب الأولويات الوطنية.
وفي كلمة افتتاحية وصفت بالقوية والمباشرة، أكد رئيس مجلس المستشارين، محمد ولد الرشيد، أن اختيار مدينة العيون لاحتضان هذا اللقاء لم يكن اعتباطيا، بل لكونها تحمل رمزية سياسية وتاريخية كبرى في سياق الدفاع عن الوحدة الترابية، كما تعكس حجم التحولات التنموية العميقة التي عرفتها الأقاليم الجنوبية بفضل التوجيهات الملكية السامية. وأضاف أن الدينامية التنموية المتسارعة التي تعيشها الصحراء المغربية ليست سوى ترجمة عملية للرؤية الملكية المتبصرة، التي انطلقت منذ المسيرة الخضراء المجيدة، وتواصلت اليوم تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي جعل من الصحراء محورًا أساسيا في المشروع الوطني التنموي.
ولد الرشيد شدد في مداخلته على أن ما تحقق من مشاريع مهيكلة وبنيات تحتية متطورة وبرامج اجتماعية فعالة، إنما هو ثمرة خيار وطني استراتيجي يرتكز على العدالة المجالية والاستثمار في الإنسان والمجال. كما أكد أن المغرب التزم بتحويل الوعود إلى إنجازات، وهو ما تجسده المشاريع المنجزة في الجنوب، والتي حولت الأقاليم الصحراوية إلى نموذج وطني للتنمية المتكاملة. وأبرز أن نجاح النموذج التنموي بالأقاليم الجنوبية لا يعكس فقط صدقية الدولة في التزاماتها، بل يؤسس أيضا لمرحلة جديدة من التمكين الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للساكنة المحلية.
وخلال كلمته، توقف ولد الرشيد عند الدور التاريخي للقبائل الصحراوية في الدفاع عن الوحدة الوطنية، منوها بالولاء المتجذر لشيوخها وأعيانها للعرش العلوي المجيد، ومساهمتهم المستمرة في صون المكتسبات الوطنية. كما أبرز أن ساكنة الصحراء اختارت ممثليها بحرية كاملة، ما يمنحهم شرعية ديمقراطية وشعبية قوية، ويجعلهم الفاعل الأساسي في معركة الترافع السياسي والدبلوماسي عن القضية الوطنية، كما أكده جلالة الملك محمد السادس في خطابه التاريخي بمناسبة الذكرى 46 للمسيرة الخضراء.
وفي الجانب المتعلق بالرهانات الدولية، أكد رئيس مجلس المستشارين أن المسار الدبلوماسي المغربي، بقيادة جلالة الملك، حقق مكاسب متلاحقة، جعلت من مبادرة الحكم الذاتي الخيار الواقعي والوحيد لإنهاء هذا النزاع المفتعل، حيث بدأ المجتمع الدولي يتبنى بشكل واضح منطق الحل العملي المسؤول، بدل الجمود والمناورات القديمة. وأشار إلى أن هذا التحول لم يكن وليد الصدفة، بل هو ثمرة لمصداقية المملكة ومكانتها الدولية، وقدرتها على المزج بين التنمية الداخلية والترافع الخارجي المتزن.
ولد الرشيد لم ينسى التذكير بالدور الذي تلعبه القوى الوطنية من داخل مجلس المستشارين، من أحزاب سياسية وتنظيمات نقابية وهيئات مهنية، في دعم الترافع المؤسساتي حول قضية الوحدة الترابية، مبرزا أن هذه القوى راكمت رصيدا معتبرا من المبادرات والمواقف المؤثرة في المحافل الوطنية والدولية. كما أشار إلى أن المجلس عمل على جعل الصحراء المغربية أولوية تشريعية واستشارية، من خلال إحداث مجموعة العمل الموضوعاتية المكلفة بالقضية الوطنية، والتي تهدف إلى إنتاج رؤى استراتيجية تعزز مكانة المجلس في الدفاع عن المصالح العليا للمملكة.
وختم رئيس مجلس المستشارين كلمته إلى ضرورة الإصغاء لتطلعات ساكنة الصحراء، والانفتاح على خبرات نخبها وقياداتها، باعتبارهم شركاء حقيقيين في صون الوحدة الوطنية واستشراف المستقبل. كما عبّر عن شكره العميق لكل المساهمين في تنظيم هذه الندوة، متمنيا أن تساهم مخرجاتها في بلورة توصيات عملية تعزز من جهود المؤسسات البرلمانية في الترافع الدولي على أساس المبادرة والنجاعة والواقعية السياسية.