العيون الآن.
في خطاب اتسم بالوضوح والدقة وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان، رسم جلالته ملامح المرحلة المقبلة من مسار البناء الوطني، مؤكدا أن الوقت ليس وقت تبرير بل وقت إنجاز، وأن الدولة تدخل مرحلة جديدة من التحول نحو نموذج مغربي أصيل يقوم على الثقة، والمردودية والعدالة الاجتماعية.
الكاتب والمحلل السياسي أحمد متراق في قراءة واقعية للخطاب الملكي، يوضح أن الرسائل الملكية هذه المرة كانت مباشرة، بسيطة في لغتها، لكنها عميقة في معناها، إذ حملت دعوة صريحة إلى تصحيح طريقة فهمنا للأولويات، وإعادة ترتيبها بما يتناسب مع تحديات الواقع.
يبدأ الخطاب بتأكيد الثقة الملكية في البرلمان، من خلال شكر ممثلي الأمة على أدوارهم في التشريع والرقابة والعمل الدبلوماسي الموازي، وهو ما اعتبره متراق رسالة واضحة مفادها أن النقاش العمومي يجب أن يعود إلى المؤسسات، وأن الحوار الحقيقي لا يكون في الشارع أو المنصات، بل داخل الفضاءات التي تمثل الإرادة الشعبية.
الملك بهذا التوجه يعيد الاعتبار لفعل السياسة، ويغلق الباب أمام كل محاولات التشكيك في جدوى المؤسسات.
وفي قراءة متراق، فإن الخطاب الملكي وضع حدا للخلط الذي يقع فيه كثيرون بين ما هو “اجتماعي مباشر” وما هو “استراتيجي بعيد المدى”.
فالمشاريع الوطنية الكبرى من البنيات التحتية والقطارات فائقة السرعة إلى الملاعب والموانئ ليست ترفا، بل محركات حقيقية لجلب الاستثمار وتعزيز مكانة المغرب الاقتصادية والسياحية.
ورغم أن المواطن قد لا يلمس أثرها المباشر في حياته اليومية، إلا أنها تمثل العمود الفقري لبناء الدولة الصاعدة التي توفر فرص الشغل والعيش الكريم.
في المقابل، شدد الخطاب على أهمية الاستمرار في البرامج الاجتماعية ذات الأثر المباشر، كدعم المبادرات الاقتصادية للشباب، وخلق فرص الشغل، وتطوير قطاعي التعليم والصحة.
ويضيف متراق أن الملك وضع بذلك توازنا دقيقا بين اقتصاد الدولة الصاعدة وعدالة الدولة الاجتماعية، فلا يمكن لأحدهما أن يقوم دون الآخر.
من الرسائل الجديدة في الخطاب الملكي أيضا، وفق متراق، أن تأطير المواطن لم يعد حكرا على الأحزاب أو الحكومة، بل أصبح مسؤولية مشتركة بين الإعلام والمجتمع المدني.
فالمرحلة تقتضي إعلاما مسؤولا يشرح ويوجه، ومجتمعا مدنيا فاعلا يسهم في نشر الوعي وتحصين النقاش العمومي داخل المؤسسات.
أما العدالة الاجتماعية ومحاربة الفوارق المجالية، فقد أكدها الخطاب كـتوجه استراتيجي للدولة، لا كشعار سياسي عابر.
ودعا جلالة الملك إلى تبني عقليات جديدة وأساليب عمل مبتكرة تواكب التحولات الاجتماعية وأنماط العيش الحديثة للمواطنين.
ولم تغب المناطق الجبلية والنائية عن الخطاب، حيث دعا جلالته إلى إعداد برامج خاصة تراعي خصوصياتها الجغرافية والاقتصادية، بما يضمن تحقيق تنمية عادلة ومتوازنة بين مختلف جهات المملكة.
ويعتبر متراق أن هذا التوجه يعكس رغبة ملكية في جعل التنمية تصل لكل مواطن، أينما كان، كترجمة عملية لمفهوم “العدالة المجالية”.
يمكن القول إن الخطاب الملكي الأخير ليس مجرد تقييم لمرحلة، بل خطة عمل واضحة المعالم، تؤسس لمرحلة جديدة عنوانها “الإنجاز بثقة، والتنمية بعدالة”.
مرحلة يطلب فيها من الجميع حكومة، برلمان، وإعلام، ومجتمع مدني أن يتحملوا مسؤوليتهم في بناء مغرب يسير بخطى ثابتة نحو المستقبل.











