العيون الآن.
الرباط – أشرف بونان
الأم تخلّت عن علاج السرطان لحضور المناقشة…والباحثة تُطارد العميد برضيعها في مشهد “مخزٍ”
في مشهد صادم وغير مسبوق في الساحة الجامعية المغربية، اهتزّت كلية الحقوق أكدال التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط، على وقع فضيحة إدارية وإنسانية أثارت موجة استياء عارمة في أوساط الطلبة والأساتذة، بعد أن تم إلغاء مناقشة أطروحة دكتوراه لباحثة تنحدر من مدينة مراكش، دون أي مبررات قانونية أو أكاديمية واضحة، وقبل ثلاثة أيام فقط من الموعد الرسمي للمناقشة.
الباحثة، التي استوفت جميع مراحل إعداد أطروحتها بتنسيق مع أستاذها المشرف، فوجئت، رفقة عائلتها التي حضرت من مختلف المدن، بإشعار شفوي من داخل الكلية يفيد بإلغاء المناقشة إلى أجل غير مسمى، دون أي وثيقة رسمية أو تفسير أكاديمي مُعلن.
الصدمة كانت أكبر حين تبيّن أن والدة الطالبة، المصابة بالسرطان، أجّلت موعد علاجها الكيميائي لتتمكن من حضور لحظة تتويج ابنتها بعد سنوات من الكفاح، فيما حصل زوج الباحثة على إجازة من عمله، وتحمل الرضيع الصغير مشقة السفر، فقط ليشهد اللحظة التي تحوّلت إلى مأساة.
في اليوم الموالي، توجهت الطالبة الباحثة إلى مكتب العميد بالنيابة بحثًا عن تفسير لما جرى، تحمل بين ذراعيها رضيعها الذي لا يتجاوز عمره ثلاثة أشهر، وظلت واقفة أمام المكتب من الساعة العاشرة صباحًا إلى السادسة مساء، دون أن تستقبل، حسب روايات شهود عيان.
بل الأكثر إيلامًا، أن العميد خرج من مكتبه دون أن يكلّف نفسه عناء الحديث معها، لتضطر إلى الركض خلفه وسط بهو الإدارة وهي تستجديه لتفسير القرار، دون أن تلقى منه سوى الإعراض، في مشهد وُصف بـ”المهين والمخجل”.
مصادر من داخل الكلية رجّحت أن السبب الحقيقي وراء هذا القرار المفاجئ لا يتعلق بالجانب الأكاديمي، بل يعود إلى خلاف شخصي بين العميد بالنيابة والأستاذ المشرف على الأطروحة، وهو ما يُثير مخاوف حقيقية من تحوّل الجامعة إلى ساحة لتصفية الحسابات الشخصية على حساب مستقبل الطلبة.
في المقابل، تبريرات مسؤولي الكلية جاءت متضاربة، إذ قيل للطالبة في مناسبات مختلفة إن “الأطروحة غير مفهرسة”، أو أنها “مكتوبة بلغة غير مفهومة”، رغم أن الأستاذ المؤطر – وهو من أعضاء هيئة التدريس المعتمدين – أشرف على إعدادها طيلة سنوات.
الحادثة أثارت موجة من الغضب داخل الأوساط الجامعية والطلابية، حيث اعتبر عدد من الأساتذة والطلبة أن ما جرى يُمثل “وصمة عار في جبين التعليم العالي”، ويطرح أسئلة خطيرة حول غياب آليات الشفافية والمساءلة داخل المؤسسات الجامعية.
وطالب متابعون للشأن الجامعي بـفتح تحقيق عاجل من قبل وزارة التعليم العالي ورئاسة الجامعة، للكشف عن ملابسات ما جرى وضمان عدم تكراره، مع تمكين الطالبة من حقها المشروع في مناقشة أطروحتها.
الحادثة المؤلمة، التي تحوّلت إلى قضية رأي عام أكاديمي، تعيد إلى الواجهة إشكالية تدبير الجامعات المغربية، وتطرح سؤالًا محوريًا:
هل لا يزال للباحث مكانته وكرامته داخل المؤسسة الجامعية؟ أم أن الخلافات الشخصية باتت تتحكم في مصير الطلبة والأكاديميين؟
الطالبة التي لم تُمنح حتى حق التوضيح، والوالدة التي تخلّت عن علاجها لتعيش لحظة “الفرح”، والرضيع الذي شهد أولى صدمات الحياة في حرم جامعي… كلها وجوه مختلفة لفضيحة واحدة، عنوانها الأبرز:
“عندما تُهان المعرفة… وتسقط الجامعة”.