العيون الآن.
يوسف بوصولة
يشهد التعاون المغربي الفرنسي تطورا ملحوظا في الفترة الأخيرة حيث باتت باريس أكثر انخراطا في الأقاليم الجنوبية للمملكة ما يعكس تحولا استراتيجيا في موقفها إزاء قضية الصحراء المغربية.
في غضون أسابيع قليلة توالت الزيارات الرسمية الفرنسية إلى مدن العيون والداخلة، حيث زارها كل من وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي، ورئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه، قبل أن يلتحق بهما وزير الداخلية جيرالد دارمانان. وقد أسفرت هذه الزيارات عن توقيع اتفاقيات لتعزيز التعاون الأمني والقضائي، فضلا عن رسائل سياسية واضحة تعكس دعم باريس للمبادرات المغربية في المنطقة.
وأكد جيرار لارشيه، خلال حفل رسمي بمدينة العيون أن “الحضور الفرنسي في الأقاليم الجنوبية سيتعزز خلال المرحلة المقبلة”، مشيرا إلى أن الشركات الفرنسية باتت أكثر استعدادا للاستثمار في المنطقة خاصة في قطاعات الطاقات المتجددة والبنية التحتية والسياحة.
في خطوة قد تكون فارقة في المسار الدبلوماسي بين البلدين برزت تساؤلات حول إمكانية افتتاح قنصلية فرنسية في الداخلة، على غرار التمثيليات الدبلوماسية التي افتتحتها دول عديدة اعترافا بمغربية الصحراء.
ورغم أن رشيدة داتي تحفظت على تحديد موعد لذلك، مكتفية بالإشارة إلى أن “فتح قنصلية يخضع لمعايير ديمغرافية وخدماتية”، فإن عدم استبعادها للفكرة اعتبر مؤشرا قويا على تغير موقف باريس. من جهته أرسل لارشيه إشارات أكثر وضوحا حين شدد على أن “الدور القنصلي الفرنسي سيتعزز في المنطقة”، في إشارة واضحة إلى إمكانية اتخاذ هذه الخطوة قريبا.
إلى جانب التعاون الاقتصادي والدبلوماسي، تعمل فرنسا على ترسيخ حضورها الثقافي والتعليمي في الأقاليم الجنوبية، وهو ما يتجلى في التوقيع على تسعة اتفاقيات بين مؤسسات ثقافية مغربية وفرنسية، إضافة إلى افتتاح مقر جديد لـ”التحالف الفرنسي” في العيون، وهو ما وصفته داتي بأنه “رمز لشراكة ثقافية متينة مع المغرب”.
وفي السياق ذاته، أعطت فرنسا انطلاقة مشروع بناء “ثانوية بول باسكون الفرنسية” بمدينة العيون، والتي تمتد على مساحة شاسعة وتوفر بنى تحتية حديثة، ما يعكس التزام باريس بتعزيز نفوذها التعليمي في المنطقة.
تأتي هذه التحركات الفرنسية في سياق سياسة جديدة تسعى من خلالها باريس إلى إعادة بناء علاقاتها مع المغرب بعد فترات من التوتر، وهو ما تعزز برسالة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى الملك المغربي محمد السادس، والتي أكد فيها دعم بلاده لمبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد للنزاع الإقليمي حول الصحراء.
أن فرنسا لم تعد تكتفي بالمراقبة من بعيد بل انتقلت إلى مرحلة الفعل والانخراط المباشر، سواء عبر تأكيد دعمها لمغربية الصحراء، أو عبر تعزيز تواجدها الاقتصادي والثقافي في الأقاليم الجنوبية، وهي خطوات تعتبر مؤشرا على مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية بين الرباط وباريس.