العيون الأن.
لحافظ ملعين / العيون.
احتفت الجزائر بفوز مرشحتها سلمى مليكة حدادي بمنصب نائبة رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، في حملة إعلامية ضخمة صورت الحدث وكأنه انتصار دبلوماسي كاسح يعكس نفوذها داخل المنظمة القارية. إلا أن المعطيات الفعلية من كواليس القمة الإفريقية بأديس أبابا ترسم صورة مختلفة، حيث أظهر التصويت انقساما واضحا، ولم يحسم إلا بعد ست جولات متتالية، بفوارق طفيفة تراوحت بين صوتين إلى أربعة أصوات، ما ينسف مزاعم الاكتساح الجزائري.
ورغم محاولات الجزائر تقديم هذا الفوز كدليل على قوتها داخل الاتحاد الإفريقي، فإن المنصب الذي فازت به يظل إداريا صرفا، دون تأثير يذكر على رسم السياسات أو توجيه مواقف الاتحاد. في المقابل، يحتفظ المغرب بموقع استراتيجي داخل المنظمة، حيث يشغل الدبلوماسي المغربي فتح الله السجلماسي منصب المدير العام لمفوضية الاتحاد الإفريقي، وهو ثالث أهم منصب داخل الهيكل المؤسسي للاتحاد، كما كان للمغرب دور حاسم في انتخاب رئيس المفوضية، الجيبوتي علي محمود يوسف، الذي فاز بدعم قوي من الرباط، علما أن جيبوتي كانت من أوائل الدول الإفريقية التي افتتحت قنصلية في مدينة الداخلة، في خطوة تعكس دعمها الكامل للوحدة الترابية للمملكة.
كما أن مجريات التصويت شابها خلل واضح، حيث منعت ست دول معروفة بدعمها للمغرب من الإدلاء بأصواتها، ويتعلق الأمر بـالغابون، النيجر، بوركينا فاسو، مالي، غينيا، والسودان، تحت مبررات إدارية تتعلق بوضعها داخل الاتحاد. هذا الإقصاء غير المسبوق أثار تساؤلات حول ما إذا كان له تأثير مباشر على نتائج الاقتراع، حيث إن مشاركة هذه الدول كان من الممكن أن تقلب المعادلة لصالح مرشحة المغرب.
وبالإضافة إلى هذا المعطى، لاحظ المراقبون فرقا واضحا بين المرشحة المغربية ونظيرتها الجزائرية من حيث الكفاءة المهنية، والرؤية الاستراتيجية، وجودة العرض المقدم أمام رؤساء الدول. وهو ما فتح المجال أمام شكوك واسعة حول ما إذا كانت “الدبلوماسية المالية” قد تدخلت لسد الثغرات الجلية في أداء المرشحة الجزائرية، خصوصا أن الجزائر عمدت قبل الانتخابات بيوم واحد فقط إلى إعلان تقديم تبرع بقيمة مليون دولار لدعم أنشطة الاتحاد الإفريقي.
هذه الخطوة أثارت ردود فعل متباينة، حيث اعتبرها البعض التزاما بدعم القارة الإفريقية، بينما رأى فيها آخرون محاولة مكشوفة للتأثير على مسار التصويت، باستخدام المال كأداة ضغط دبلوماسي. كما أن الإعلان عن هذا التبرع قبل أقل من 24 ساعة من التصويت زاد من الشكوك حول مدى استقلالية العملية الانتخابية داخل الاتحاد.
التوترات الدبلوماسية لم تقتصر على هذا الجانب، بل تصاعدت بعد تسريبات إعلامية جزائرية زعمت أن مصر لم تلتزم بدعم المرشحة الجزائرية، في إشارة إلى وجود تصدعات داخل التحالفات التقليدية للجزائر داخل الاتحاد الإفريقي. هذه التطورات تعكس واقعا مغايرا لما تحاول الجزائر الترويج له، حيث أن ميزان القوى داخل المنظمة القارية لا يزال يميل لصالح المغرب، الذي يواصل توسيع دائرة نفوذه من خلال تحالفات استراتيجية قوية، ومقاربات دبلوماسية فعالة، بعيدا عن المناصب البروتوكولية ذات الطابع الإداري.
إجمالا، فإن الضجيج الإعلامي المرافق لهذا “الفوز” يبدو محاولة للتغطية على حقيقة أن التوازنات داخل الاتحاد الإفريقي لم تتغير. فالمغرب لا يزال يحتفظ بموقعه كقوة مؤثرة داخل المنظمة، مسنودا بشبكة واسعة من الشراكات الإفريقية، ودبلوماسية قائمة على الفعل والتأثير، وليس فقط على حصد الألقاب الإدارية.