العيون الآن
الحافظ ملعين//العيون
تنظيم ملتقيات بلا رؤية…استنزاف الموارد في حلقات مفرغة..
في السنوات الأخيرة، تزايدت ظاهرة تنظيم الملتقيات والمنتديات الجهوية والوطنية، التي تقام دون رؤية واضحة أو أهداف محددة. هذه التظاهرات باتت أشبه بحلقات مفرغة تستنزف الموارد والطاقات، دون أن تقدم أي أثر ملموس على مختلف المستويات، سواء على الصعيد المحلي أو الوطني. ومع كل دورة جديدة، تستمر هذه الأنشطة في خلق صورة زائفة من الإنجاز، بينما الحقيقة تظل عارية أمام الجميع: لا نتائج، ولا تغييرات، فقط استعراضات شكلية تخدم مصالح شخصية ضيقة.
ما يثير القلق هو استغلال هذه الملتقيات كأداة لجذب الداعمين من مؤسسات ووكالات وإدارات جهوية ومركزية. يتم تسويق الأنشطة من خلال حضور شخصيات وازنة، وتوقيع اتفاقيات وشراكات لا هدف لها سوى التفاخر بها في الصالونات والشوارع، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي. هذا التسويق الزائف يخدم أجندات فردية، حيث تستخدم الاتفاقيات كطعم لجذب مزيد من الدعم المالي من مؤسسات أخرى. النتيجة النهائية هي تحويل الملتقيات إلى وسيلة للابتزاز الممنهج بدلا من أن تكون منصة للتنمية.
المثير للسخرية أن هذه الممارسات تنفذ تحت أعين المؤسسات الرقابية التي تدرك تماما أن الأثر الحقيقي لهذه الملتقيات منعدم. ومع ذلك، يستمر الدعم المالي والحضور الرسمي، مما يعكس غياب الإرادة لتصحيح المسار. هذه الأنشطة، التي تفتقر إلى أي محتوى أو قيمة، تترك خلفها ديونا ومشاكل مالية مع مقدمي الخدمات مثل الفنادق والمطابع..الخ، ما يشكل عبئا إضافيا على الاقتصاد المحلي.
في جهة العيون الساقية الحمراء، أصبحت هذه الظاهرة أكثر وضوحا. بعض الإطارات المدنية تنظم أنشطة بهدف وحيد وهو الاستفادة من الدعم الحكومي لتحقيق مكاسب شخصية. يستغل هؤلاء المنظمون الحضور الرسمي وصور المسؤولين لتسويق أنفسهم على المستوى الوطني، محاولين كسب شرعية زائفة تعزز فرصهم في الحصول على دعم مستقبلي. هذا السلوك لا يخدم المصلحة العامة، بل يعزز فكرة الريع في أذهان المجتمع، ويؤدي إلى تراجع الثقة في جدوى هذه الأنشطة.
خطاب جلالة الملك محمد السادس نصره الله الأخير كان واضحا في توجيهاته نحو تغيير منظومة التدبير والعمل على تحقيق تحول جذري في أداء المؤسسات. هذا الخطاب يجب أن يكون نقطة تحول في كيفية التعامل مع هذه الملتقيات المستنسخة. على الإدارات الجهوية والمركزية أن تتخذ قرارات جريئة بمقاطعة هذه التظاهرات الفارغة، وإيقاف الدعم المادي والمعنوي الذي يقدم لها دون جدوى.
لا يمكن إنكار وجود فعاليات مدنية قادرة على تقديم قيمة حقيقية من خلال تنظيم ملتقيات جادة وذات أهداف واضحة. هذه الفعاليات تعمل بجد على تعزيز صورة المغرب داخليا وخارجيا، وتساهم في الدفاع عن القضايا الوطنية الكبرى، وعلى رأسها قضية الوحدة الترابية. مثل هذه الأنشطة يجب أن تحظى بالدعم الكامل من الدولة، شريطة أن يكون هذا الدعم مبنيا على أسس موضوعية تضمن تحقيق الأهداف المرجوة.
من الضروري أن يتم إعادة النظر في آليات دعم الأنشطة المدنية، بحيث تخصص الموارد فقط للفعاليات التي تقدم أثرا حقيقيا وتنسجم مع التحولات التنموية التي تشهدها المملكة،، الدعم العشوائي لأنشطة غير مجدية لا يساهم سوى في تعزيز ثقافة الاستغلال والريع، وهو أمر يجب التصدي له بحزم.
المغرب اليوم ليس كالأمس، والتحولات الكبرى التي يشهدها في مختلف المجالات تتطلب أن تكون الملتقيات والأنشطة المدنية جزءا من هذا التطور، لا عبئا عليه. يجب أن تكون هذه الفعاليات منصة لتحقيق أهداف دبلوماسية واقتصادية وثقافية تخدم البلاد، وليس أداة لتحقيق مكاسب شخصية.
يتعين على الجهات المسؤولة اتخاذ خطوات حازمة لإنهاء هذه الممارسات غير المجدية، مع توجيه الدعم نحو الأنشطة التي تحقق المصلحة العامة وتعكس الأولويات الوطنية. فالمغرب اليوم في حاجة إلى مبادرات جادة وفعالة تسهم في بناء المجتمع، وتعزز مكانته دوليا، وتخدم أهدافه الاستراتيجية بكفاءة وشفافية. لقد آن الأوان لوقف إهدار الموارد والمقدرات على فعاليات تفتقر إلى الجدية، وإعادة توجيه الجهود نحو دعم الكفاءات القادرة على تنظيم تظاهرات جهوية، وطنية ودولية، تسهم في تحقيق دبلوماسية موازية ذات أثر ملموس ومصداقية، بعيدا عن العبثية والتكرار العقيم.