العيون الان
بنعبد الفتاح محمد سالم
لأي كان الحق في أن يدافع عن آراءه وقناعاته السياسية بخصوص النزاع الصحراوي كما غيره من القضايا الوطنية والدولية، لكن من العيب والعار أن يتم استغلال المأساة الانسانية التي حلت بأهلنا في مخيمات اللجوء بتيندوف لتمرير المغالطات وتسجيل النقاط بخصوص النزاع على الخصوم بخبث ومكر بتلك الطريقة البائسة التي تبناها المدعو عبد الرحيم منار السليمي، خاصة اذا كان المتحدث يحمل زورا وبهتانا صفات من قبيل “المحلل السياسي” و”الخبير” و”الكاتب”…، ويحظى بمتابعة كبيرة، حيث يتم نشر تصريحاته على نطاق واسع، في أهم وسائل الاعلام الوطنية وأكثرها متابعة، أما غيره من الشامتين في الصحافة الرخيصة وفي مواقع التواصل الاجتماعي فلا يعدون أن يكونوا قد تأثروا بمثل المدعو منار وغيره من أعمدة الاعلام الرخيص، و الذي ينبغي بحكم موقعه كأحد موجهي الرأي العام أن يدعو للسلام والوئام بين الاخوة بدل أن يروج للأحقاد والضغائن في مثل هذا الظرف الحساس..
ماذا سيكون رد المدعو منار السليمي وقد أجابت تطورات الفاجعة التي ألمت بالجزائريين وبأهلنا في المخيمات والانباء الواردة من من هناك عن الاستفهامات التي طرحها بشماتة بادية للعيان لا تليق بمن يدعي صفة المثقف والاكاديمي، حين أراد خلط الاوراق كعادته عبر مجموعة من التساؤلات الملغمة قائلا : “الأمر يتعلق بوجود 26 شخص من البوليساريو ماتوا في هذه الطائرة العسكرية ضمن القتلى، من هم هؤلاء؟ وماذا يفعلون ضمن طائرة عسكرية وظيفتها هي الإمداد والأسناد ونقل أفراد عسكريين جزائريين؟”، فجاءت الانباء الواردة من المخيمات في وسائل الاعلام وفي مواقع التواصل الاجتماعي لتبين طبيعة الضحايا الصحراويين الذين لم يكونوا سوى مجموعة من المرضى المنتمين لمخيمات اللاجئين الصحراويين في تندوف، والذين كانوا يستفيدون من خدمات الاستطباب في المستشفيات العسكرية الجزائرية بالجزائر العاصمة كما يستفيدون من النقل العسكري..
صور تدمع لها الأعين و تنفطر لها القلوب لمجموعة من النساء والشيوخ والأطفال صغار السن بالإضافة الى صور مرافقيهم ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي، فتداولها معظم الصحراويين، إخوة وأمهات مرفوقات بأبنائهن أو بناتهن، فتيان في عمر الزهور الى جانب رُضَّع…، وكغيرهم من الصحراويين تتشعب قراباتهم بالعديد من الاسر والعائلات الصحراوية من ناحية العمومة والخؤولة والجيرة والرضاع والمصاهرة والصحبة والزمالة…، فكأنما فجع الصحراويون جميعا، فلكل صحراوي أخ أو عم أو خال أو قريب أو صهر… من بين ضحايا الفاجعة الأليمة، فكان أن مستنا جميعا وبشكل مباشر تلك التصريحات الحقيرة و المشؤومة التي أدلى بها المدعو منار السليمي وأمثاله الحاقدين على كل ماهو صحراوي..
بالرغم من أن السياق ليس ملائما لهكذا نقاشات سياسية الا ان المناسبة تفرض التساؤل حول فائدة الترويج لهكذا خطاب حاقد، وتدعونا لإعادة النظر في نجاعة وتأثير خطابات الحقد والضغائن الذي بات يروج على ألسن الكثير من الكتاب والسياسيين من الطرفين في الآونة الأخيرة على مستقبل النزاع والمنطقة، حيث يصر العديد من الاعلاميين والمدونين بل وحتى من المؤسسات الاعلامية على تبني كتابات وتصريحات تروج بصريح العبارة للكراهية وتدعوا الى احتقار الآخر، مواقف لن تفيد سوى ازدياد حجم الهوة بين الأطراف وتباعد وجهات النظر وترسيخ منطق الخوف من الآخر ورفضه وشيطنته..
فهل بهذا الاسلوب سيدعو المدعو عبد الرحيم منار ومن على شاكلته المؤمنين بطرح البوليساريو الى الاقتناع بمغربية الصحراء أو بمخطط الحكم الذاتي الذي يتم تقديم أمثاله الحاقدين على كل ما له صلة بالصحراء للدفاع عنه؟ بغض النظر عن الاجابة الواضحة على تساؤلات باتت تفرض نفسها، فالوضع الراهن المتسم بالجمود السياسي والانسداد المسجل في أفق الحل يؤكد الحاجة الى حكماء وعقلاء لكي يتصدروا المشهد الاعلامي والسياسي، يحتكمون لمنطق العقل ويتحلون بحد أدنى من الأخلاق والحس الانساني السوي والرؤية الثاقبة التي تروم تهيئة الظروف والاجواء حتى يتسنى إيجاد الحلول للنزاع الذي عمر أكثر من اللازم، بدل شرذمة الفاسدين والوصوليين والمنتفعين من الوضع السياسي المتأزم الذين يسير أمثال المدعو منار السليمي على طريقهم ومنهجم المعوج، الذين استفادوا من وضعية الصراع واعتاشوا منه، فراكموا الثروات والامتيازات على حساب عموم المواطنين الصحراويين، فباتوا يحرصون على تأزيم الوضع و زرع بذور الفتنة والاحقاد والضغائن بين مكونات المجتمع، فكل تقارب بين أطراف النزاع حتى ولو كان لدواعي أخلاقية وانسانية فإنه بالتأكيد سيهدد مصالح ذلك اللوبي الفاسد المتصدر للمشهد الاعلامي والسياسي المحلي والوطني..