العيون الآن.
يوسف بوصولة
جاءت تفاعلات الفاعلين المحليين في الأقاليم الجنوبية مع قرار مجلس الأمن رقم 2797، الصادر في 31 أكتوبر 2025، لتعكس حجم اللحظة السياسية التي دخلتها قضية الصحراء المغربية. فقد أعلن شيوخ القبائل الصحراوية المغربية بجهة العيون الساقية الحمراء، في بيان رسمي، تثمينهم للقرار الأممي الذي أقر صراحة بجدوى وواقعية المبادرة المغربية للحكم الذاتي، واعتبرها الإطار الوحيد الكفيل بإيجاد حل نهائي للنزاع المفتعل، بمنطق “الواقعية والعملية” وضمن السيادة المغربية الكاملة.

يضع هذا البيان صوت القبائل الصحراوية في قلب المشهد السياسي، باعتبارهم الشريحة المجتمعية الأكثر ارتباطاً بالأرض والتاريخ في هذه المنطقة. وتبدو رسالتهم واضحة: القرار الدولي ليس فقط تأكيدا على شرعية الموقف المغربي، بل هو أيضا لحظة تاريخية بالنسبة لأبناء الصحراء الذين يعتبرون أنفسهم طرفا أصيلا في معركة السيادة، منذ استرجاع الأقاليم الجنوبية سنة 1975 إلى اليوم.

في البيان، عبر الشيوخ عن اعتزازهم بما وصفوه بـ”النصر الأممي” الذي كرس رؤية الملك محمد السادس وأكّد صواب النهج الدبلوماسي المغربي القائم على الواقعية السياسية وبناء التوافقات الإقليمية والدولية. وأضاف البيان أن المغرب لم ينتصر على طرفٍ سياسي بقدر ما كسب معركة الاعتراف بالحل الوحيد الممكن، دون غالب ولا مغلوب، بما يفتح أفقا جديدا لحسن الجوار وتعزيز الاستقرار الإقليمي.

واحدة من أبرز دلالات هذا الموقف تكمن في الربط بين القرار الأممي وسياسة “اليد الممدودة” التي أكدها المغرب مراراً تجاه الجزائر، وفي الوقت نفسه في الدعوة العلنية التي وجهها الشيوخ لإخوانهم في مخيمات تندوف للعودة إلى وطنهم الأم. هذا النداء لا يأتي بصيغة استدعاء عاطفي فقط، بل يتخذ صبغة سياسية واقعية: القرار الدولي أنهى زمن الشكوك، وأعاد ترتيب موازين الشرعية الدولية، وباتت المبادرة المغربية الإطار العملي الوحيد المطروح.
البيان أيضا حمل رسالة رمزية ذات وزن: تجديد البيعة للعرش العلوي، بصفته رمز الاستمرارية الدستورية والسياسية، وتعهد بالدفاع عن وحدة التراب الوطني. غير أن اللغة لم تغلف بمفردات الاستنفار، بل قدمت تصورا واضحاً لدور القبائل باعتبارها رافعة استقرار ومكوّنا اجتماعيا يرى نفسه شريكا في صناعة المرحلة المقبلة.

في الخلفية، يمكن قراءة تحرك شيوخ القبائل كإشارة إلى ترسيخ البعد المحلي في شرعية الحل السياسي. داخل الأمم المتحدة جرى تثبيت المبادرة المغربية كمرجع وحيد قابل للتطبيق، وفي المقابل تتحرك النخب المحلية لإظهار أن الحل ليس مفروضا من فوق، بل يستند أيضاً إلى إجماع اجتماعي وذاكرة تاريخية تمتد لعقود.

بهذه الرسالة، يبدو أن الجنوب المغربي يدخل منعطفا جديدا، حيث تتقاطع الشرعية الدولية مع الشرعية الاجتماعية، ويعود صوت الصحراء من قلب الصحراء، لا من خارجها. وبينما تستعد المنطقة لمرحلة مفصلية عنوانها التنمية والاستثمار والاستقرار، يأتي هذا الصوت القبلي ليعزز حقيقة سياسية تترسخ يوماً بعد يوم: المغرب يمضي بثقة نحو إغلاق ملف النزاع، ليس بالقوة ولا بالشعارات، بل بواقعية سياسية نادرة في المنطقة وبشراكة بين الدولة والمجتمع في الدفاع عن مصالح الأمة ووحدتها الترابية.












