العيون الآن
يوسف بوصولة//العيون
المخطط الأخضر بين النجاعة والفشل..
في ظل التحديات التي يشهدها العالم اليوم، يشكل الأمن القومي ركيزة أساسية لاستقرار الدول. يكتسب الأمن الغذائي أهمية متزايدة كجزء لا يتجزأ من هذا المفهوم، حيث يلعب تأمين الغذاء واستدامة الموارد الطبيعية دورًا محوريًا في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للدول. المغرب، بفضل موقعه الجغرافي وثرواته الطبيعية المتنوعة، يُعد نموذجًا رائدًا في مجال الفلاحة على المستويين الإقليمي والدولي.
يتميز المغرب بإنتاج مجموعة من المنتجات الزراعية ذات الصيت العالمي، مثل شجر الأركان، الذي يُعد رمزًا للتنوع البيئي والتراث الثقافي للمغرب، والزيتون الذي يحتل مكانة مرموقة بين أكبر الدول المنتجة لزيت الزيتون في العالم. كما تشتهر الواحات المغربية بإنتاج التمور التي تلعب دورًا مهمًا في الاقتصاد المحلي وتحافظ على التوازن البيئي في المناطق الصحراوية.
إن هذا التنوع الفلاحي لا يعزز فقط مكانة المغرب كأحد أكبر المنتجين في العالم، بل يشكل أيضًا دعامة قوية لأمنه القومي من خلال ضمان توافر الغذاء، دعم التنمية المستدامة، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في العديد من المجالات الزراعية.
عانت الفلاحة المغربية قبل عام 2008 من ضعف الإنتاج خاصةً في قطاع الحبوب، بسبب التغيرات المناخية (الجفاف والتساقطات المطرية المتقلبة). إضافةً إلى تدهور الموارد المائية، والأنظمة الغذائية، بسبب الاستغلال المفرط والتصحر. ناهيك عن هجرة اليد العاملة إلى المدن والخارج، وزيادة على ذلك ضعف الاستثمارات وقلة التأطير والتكوين.
لكل هذه الأسباب، أطلقت الحكومة مشروع المخطط الأخضر سنة 2008، بهدف تحسين وتطوير القطاع الفلاحي في البلاد. يقوم هذا المخطط على خمس ركائز أساسية:
1. دعم صغار المزارعين:
التجميع الزراعي: تشجيع تجميع الأراضي لتحسين الكفاءة الإنتاجية وتسهيل الوصول إلى التقنيات الحديثة.
التأطير والمساعدة التقنية: توفير التأطير والمساعدة التقنية لصغار المزارعين لتحسين معارفهم ومهاراتهم.
التمويل: تسهيل الوصول إلى التمويل من خلال توفير قروض ميسرة وضمانات.
2. التكيف مع التغيرات المناخية:
إدارة الموارد المائية: ترشيد استخدام المياه وتطوير تقنيات الري الموفرة للمياه.
تحسين مقاومة المحاصيل: تطوير أصناف من المحاصيل أكثر مقاومة للجفاف والتغيرات المناخية.
حماية التربة: مكافحة التصحر وتدهور التربة من خلال تشجيع الزراعة المحافظة على الموارد.
3. تطوير سلاسل القيمة:
التنظيم والتسويق: تحسين تنظيم سلاسل القيمة وتسهيل وصول المنتجات إلى الأسواق.
التصنيع الزراعي: تشجيع التصنيع الزراعي لإضافة القيمة إلى المنتجات الزراعية.
التصدير: تشجيع تصدير المنتجات الزراعية لفتح أسواق جديدة.
4. تعزيز البحث والتطوير:
الاستثمار في البحث والتطوير: دعم البحث والتطوير في المجال الزراعي لتطوير تقنيات جديدة وأصناف محاصيل محسنة.
نقل التكنولوجيا: تسهيل نقل التكنولوجيا إلى المزارعين لتحسين إنتاجيتهم.
5. الحكامة والتدبير:
تعزيز الحكامة: تحسين حكامة قطاع الزراعة من خلال الشفافية ومشاركة جميع الأطراف المعنية.
التقييم والمتابعة: وضع آليات للتقييم والمتابعة لضمان تنفيذ الخطة بشكل فعال.
من خلال هذه الآليات والبرامج، يهدف المخطط الخضراء إلى تحقيق تنمية زراعية مستدامة في المغرب والتصدي للتحديات التي يواجهها القطاع.
بعد مرور أكثر من عشر سنوات على إطلاق هذا المخطط، أثير الجدل حول نتائجه، تزامنًا مع ارتفاع أسعار المنتجات الفلاحية بمختلف أشكالها.
وعلى إثر هذا النقاش، قدم رئيس الحكومة السيد عزيز أخنوش أمام مجلس النواب معطيات تؤكد على نجاعة المخطط الأخضر، حيث أسهم في ارتفاع الناتج الداخلي الخام الزراعي، الذي تجاوز سقف 127 مليار درهم عام 2021، كما تضاعفت الصادرات ثلاث مرات، مع خلق أكثر من 50 يوم عمل إضافي ونسبة تشغيل بلغت 75% في الوسط القروي، إلى جانب تحسين متوسط الدخل الفلاحي بالقرى بنسبة 66%.
ناهيك عن بلوغ نسبة تغطية الحاجيات الأساسية من اللحوم الحمراء، الدواجن، البيض، الخضر، والفواكه خلال الفترة الممتدة بين2008-2020 الى 98% و100%.
وفيما يتعلق بعدم استقرار أسعار المنتجات الفلاحية في هذه الفترة، قال رئيس الحكومة إن السبب يعود إلى ما سماه “الفترة الاستثنائية والعابرة” التي تشهدها بلادنا، .والتي أثرت بشكل مباشر على إنتاجية المحاصيل الزراعية. ويعود ذلك إلى الظرفية الصحية التي تمر بها بلادنا والعالم بسبب وباء كوفيد-19، من جهة.
ومن جهة أخرى، قال منتقدو برنامج المخطط الأخضر إنه قد فشل في تحقيق الأمن الغذائي، لتهميشه حاجيات السوق المحلية، تركيزه على التصدير، وتقليل الزراعات المعيشية. ناهيك عن استنزاف الموارد المائية، نتيجة تشجيع الزراعات المستنزفة مثل الأفوكادو والبطيخ، بينما تمر المملكة بأزمة كبيرة في الموارد المائية والتقلبات المناخية. بالإضافة إلى ذلك، فشل المخطط في تحسين أوضاع المزارعين الصغار، ورفع قدرتهم الشرائية، وإنشاء طبقة فلاحية متوسطة تمكنهم من الدعم، بينما ظلت الاستفادة محصورة على الكبار.
وعلى ضوء هذا النقاش بين مؤيد ومعارض، أطلقت الحكومة سنة 2020 مخطط الجيل الأخضر 2020-2030، الذي يعد ثمرة نجاح المخطط الأخضر حسب الأرقام والإحصائيات. يهدف هذا المخطط إلى التنمية البشرية (اليد العاملة) وتعزيز الطبقات المتوسطة الريفية، من خلال العمل على دعم أكثر من 500 ألف أسرة زراعية للارتقاء إلى الطبقة المتوسطة، إلى جانب توفير فرص الشغل للشباب والنساء في الأرياف، عبر تدريبهم وتقديم الموارد التي تساعدهم على تحقيق استدامة اقتصادية.
مع توالي سنوات الجفاف والتقلبات المناخية إلى يومنا هذا، بالإضافة إلى الحرائق التي عانت منها واحات التمور والكوارث الطبيعية المتتالية، فإن أسعار المنتجات الغذائية في تزايد كبير. أرهقت جيوب المواطنين، ما دفع الحكومة لاستيراد مجموعة من المواد الغذائية الأساسية من بينها زيت الزيتون والقمح والحبوب لتغطية الحاجيات الأساسية. من جهة أخرى، زادت وتيرة تصدير مجموعة كبيرة من الخضر والفواكه التي تستنزف الفرشة والموارد المائية للبلاد. لكل هذه الأسباب، تطرح عدة تساؤلات، هل فعلاً نجحت هذه المخططات؟ وفي ظل كل هذه المتغيرات، هل يمكن الاستغناء عن قطاع الفلاحة كركيزة أساسية للاقتصاد المغربي وتعويضه بمجال آخر؟ أليس من الأجدر أن تتراجع الحكومة عن تصدير الفواكه والخضار والتركيز على إنتاج الاحتياجات الأساسية للبلاد من أجل تحقيق اكتفاء فلاحي وغذائي ذاتي؟