العيون الآن.
ملعين الحافظ _ العيون
مرة أخرى، تُخرج جبهة البوليساريو من جعبتها ورقةً قديمة مهترئة، وتقدمها بوجه جديد إلى الأمم المتحدة وكأنها اكتشاف سياسي خارق، بينما لا تعدو أن تكون محاولة يائسة لإحياء خطاب ميت منذ 2007، عنوانه هذه المرة “تقاسم فاتورة السلام”!
ولأن العبث لا حدود له، فإن الجبهة تتحدث مجددًا باسم “الشعب الصحراوي”، دون أن يرجع أي من قادتها إلى هذا الشعب أو حتى إلى من يعيش في مخيمات تندوف، الذين لم يسمعوا أصلًا بهذا المقترح إلا من خلال بيان مترهل صيغ في مكاتب الجزائر!
كيف يمكن لتنظيم فاقدٍ للشرعية والتمثيلية أن يقترح “حلًّا سياسيًا متوافقًا عليه” وهو لم يُجْرِ في تاريخه أي استشارة أو حوار أو مؤتمر مفتوح مع الصحراويين؟ تسعة من مؤتمراته الستة عشر انعقدت داخل الأراضي الجزائرية، ومع ذلك لم يجرؤ أحد على طرح هذا المقترح للنقاش، لا من قريب ولا من بعيد. فأين هي إرادة “الشعب” التي يتغنون بها صباح مساء؟
المقترح المزعوم الذي تقدمت به الجبهة الى “الأمين العام للأمم المتحدة”، لا يتجاوز في جوهره إعادة تدوير نفس الخطاب الذي سمعه العالم قبل عقدين: خطاب إنشائي فضفاض عن “التعايش والسلام والاستقرار الإقليمي”، دون أي مضمون أو تفاصيل واقعية.
لكن اللافت في البيان هو هذا المصطلح الغريب: “تقاسم فاتورة السلام”! كأن القضية المغربية في الصحراء ليست نزاعًا سياسيًا مختلقًا من طرف الجزائر، بل صفقة تجارية على طاولة مقاولة إفلاسها الأخلاقي والسياسي معلن سلفًا.
أي سلام هذا الذي يُبنى على “فاتورة”؟ ومن فوّض البوليساريو أصلًا لتقاسمها؟
هل هو سلام على مقاس “قيادات” تعيش في الفنادق الفخمة وتتنعم بأموال المساعدات الإنسانية؟ أم هو سلام يُدفع ثمنه من معاناة الصحراويين المحتجزين في تندوف، الذين لا يعرفون من “الجمهورية الصحراوية” سوى بطاقات التموين ونشرات الخداع السياسي؟
إن ما يسمى بـ”مقترح البوليساريو” ليس سوى محاولة بائسة للظهور بمظهر الطرف المسؤول والمنفتح على الحلول، في وقت يعرف فيه العالم بأسره أن المبادرة المغربية للحكم الذاتي هي الإطار الواقعي والوحيد الذي يحظى بدعم دولي واسع وبتأييد مجلس الأمن، باعتبارها مبادرة جدية وذات مصداقية.
أما جبهة البوليساريو، فلا تملك من أوراق التفاوض سوى الشعارات الخشبية وبيانات الاستجداء السياسي التي تتكرر بنفس اللغة وبنفس الفشل منذ نصف قرن.
لقد تجاوزت الجبهة مرحلة الانفصال السياسي إلى مرحلة الانفصال عن الواقع. فبينما تتحرك الدبلوماسية المغربية بخطوات ثابتة في المحافل الدولية، ما تزال البوليساريو غارقة في سرديات باردة، تحاول تلميع وجه “جمهورية” لا وجود لها إلا في خيالها وفي بياناتها الممهورة بأختام بلا معنى.
إن ما يسمى بـ”تقاسم فاتورة السلام” لا يعبّر عن حسن نية، بل عن عجز سياسي مزمن، وعن فقدان كامل للاتصال بالزمن الدبلوماسي الجديد الذي تجاوزهم.
فالعالم اليوم يتحدث عن مشاريع تنمية واستقرار واستثمار في الأقاليم الجنوبية، بينما البوليساريو ما تزال تلوك شعارات السبعينيات، وتستجدي الاعتراف بجمهورية لا تملك أرضًا ولا سيادة ولا حتى خيمة تتسع لكل المنشقين عنها.
ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه:
هل سأل قادة البوليساريو أنفسهم يومًا إن كان الصحراويون يريدون فعلًا “تقاسم فاتورة السلام”؟ أم أن الحقيقة المؤلمة هي أن الجبهة صارت تتاجر حتى بسلام وهمي، تمامًا كما تتاجر بمعاناة اللاجئين ودموع الأطفال في تندوف؟
ختامًا، لا يمكن وصف ما جاء في بيان البوليساريو سوى بأنه ورقة جديدة في مسرحية قديمة، أبطالها أنفسهم ومشاهدها متكررة، نهايتها دائمًا واحدة:
سقوط مدوٍّ لجبهة فقدت بوصلتها، في مقابل صعود مشروع مغربي متكامل، يربط الأرض بالإنسان، والشرعية بالواقع، والمستقبل بالتنمية تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله.











