العيون الآن.
ملعين الحافظ ـ العيون
تلتقط العدسة لحظة تبدو عابرة في ظاهرها، لكنها مشحونة بدلالات عميقة في باطنها، حيث يجتمع صلوح الجماني، أحد أبرز وجوه الصحراء، إلى جانب محند العنصر، رئيس حزب الحركة الشعبية، وحليمة العسالي، التي وصفت بـ”المرأة الحديدية”. مشهد يجمع القوة، والتاريخ، والتوازنات الداخلية للحزب، لكنه لا يخلو من إشارات صامتة تستحق التوقف.
تكشف ملامح الجلوس وتعابير الوجه عن شيء من التحفظ، وربما التوتر. فالرجل الصحراوي، صلوح الجماني، يركن إلى الهدوء المألوف في حضوره، لكن قبضتيه المشدودتين والنظرة المستقيمة توحيان بأنه في حضرة أمر جلل، يتطلّب أكثر من مجرد حضور رمزي.
تعكس جلوس العسالي معالم توجس داخلي، فذراعاها المكتوفتان وجسدها المنكمش نوعا ما إلى الداخل يوحيان بحالة دفاع نفسي أو رفض شيء غير معلن. ورغم ما تعرف به من صلابة، تبدو هذه اللحظة تحديدا كأنها تثقل على كاهلها، أو تكشف صراعا داخليا بين ما يقال وما لا يقال.
يحاول محند العنصر الحفاظ على نبرة هادئة، بجلسته المستقيمة وابتسامة خفيفة تراوح بين اللباقة والحذر. إلا أن تقاسيم وجهه لا تخفي فهما عميقا لما يجري. كأنه يقرأ جيدا ما بين الصمت والنظرات، مدركا أن هذه اللحظة ليست كباقي اللقاءات.
تشير خلفية المكان، بتفاصيلها المغربية الزخرفية، إلى بيئة أصيلة تضفي على المشهد شيئا من الرسمية التقليدية. غير أن التباين بين جمالية المحيط وثقل الأجساد الجالسة يولد تناقضا لافتا، يذكر بأن الصورة الظاهرة لا تعكس دوما حقيقة ما يجري في الأعماق.
تتسلل إلى الذهن أسئلة كثيرة: ما الذي يجمع هؤلاء الثلاثة في هذا التوقيت؟ أهو لقاء مجاملة، أم ترتيب لتوازنات حزبية في أفق تحولات قريبة؟ وهل ما نراه هو انسجام فعلي، أم هدنة مؤقتة تحت غطاء اللباقة؟ أم أن الأمر يتعلق بدورة المجلس الوطني بآسفي؟
يضفي حضور صلوح الجماني، بثقله الرمزي والقبلي، بعدا خاصا على هذا اللقاء. فهو لا يحضر عادة إلا في لحظات مفصلية، ما يجعل المشهد أبعد من مجرد صورة أو لقاء حزبي عابر.
تلامس لغة الجسد عمق المواقف، وكأنها تبوح بما عجزت عنه الكلمات. لا مصافحة، لا انحناء أجساد نحو بعض، لا انبساط في الملامح. كل شيء يوحي بأن ما دار قبل الصورة أو بعدها هو ما يجب قراءته فعلا.
تنذر هذه اللحظة بشيء ما… إما باصطفافات جديدة داخل الحركة الشعبية، أو بترتيب بيت داخلي قبيل تحولات مرتقبة. وربما تكون مؤشرا على خلافات تدار بصمت، وتؤجل انفجارها بابتسامات حزبية.
ترتسم بذلك ملامح مشهد سياسي مغاير، تحركه خلفيات غير مرئية، حيث تلعب الرموز أدوارا دقيقة، وتوزن الكلمات كما توزن الأنفاس.