العيون الآن
حقيقة أكبر حزب سياسي بمدينة السمارة ..؟ تحليل الصحفي نفعي بوسعيد عزات..
أكبر حزب سياسي بمدينة السمارة ليس حزب الإستقلال، أو الأصالة والمعاصرة، أو التجمع الوطني للأحرار..أكبر حزب سياسي بالاقليم هو حزب الصامتين الذين يشكلون الأغلبية المطلقة داخل النسيج السكاني المحلي، ويعتبرون قوة ضاغطة لا تمارس أجنداتها أمام العموم، أو على وسائل التواصل الإجتماعي، وإنما تتخذ من الصالونات المغلقة، والجلسات المحدودة الأشخاص فضاءها الطليق في نشر أفكارها وإنتقاداتها الناقمة بلا رحمة أو شفقة، إزاء الأوضاع والمشهد الانتخابي والتدبيري وكذا النقاش العمومي، الذي تحتل جماعة السمارة هامشا كبيرا منه، بحكم ثقلها ومركزيتها كأخت كبرى للجماعات الترابية الأخرى إذا صلحت صلح الأمر كله، وإذا فسدت فسد الأمر كله، كما وصفها أحد الفاعلين المحليين في لقاء سابق.
وهو في الحقيقة وصف بليغ جدا، ويجد فاعليته من خلال الأنظار المتجهة إلى جماعة السمارة دون أخواتها، والإنتظارات المعلقة حول عنقها من طرف الساكنة والأهالي وخصوصا حزب الصامتين الذي يرتكز في تحركاته الخفية والسرية على قاعدة شعبية مهمة تضم مثقفين وشباب ومنتخبين، وأعيان وشيوخ قبائل بل ورؤساء جماعات، كلهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، ويظهرون ما لا يضمرون من الملاحظات والأراء المتباينة بشأن هذه التجربة التدبيرية التي يقودها حزب الإستقلال، وذلك إما بدواعي الحفاظ على بعض الإمتيازات والأمل فيها، أو بسبب الإنتماء الحزبي والروابط العائلية والإنسانية، أو بسبب الوجه الاخر من هذه التجربة الذي يشكله ولد الرشيد، وإما كذلك بسبب التريث وعدم إستعجال الإصلاح، وإما أيضا بسبب الحكمة السلبية القائلة كم حاجة قضيناها بتركها وعملا بها في تجنب الشبهات.
هذا ليس كل شيء، بل هناك أسباب ودلالات كثيرة توحي بأن قاعدة كبيرة من حزب الصامتين داخل مدينة السمارة، بدأت تضيق ذرعا بالتجربة المذكورة، بعد أن كانت تدعمها، وترى أنها كانت فلتة وقفزة في الظلام قدرها الله في أجواء من الحماسة والتأثير، وشعارات التغيير والعهود التي صدح بها منتخبوا حزب الاستقلال، عبر أبواق الألة الاعلامية المحلية بالإنتخابات الأخيرة، والتي شكل كاتب هذه الأسطر، أحد نشطاءها المُحرضين وموجهيها أملا في صناعة غد أفضل للسمارة المظلومة، وساكنتها المكافحة، ولأجل التطوير وعصرنة بنياتها التحتية، وإنعاش عجلتها الإقتصادية والإستثمارية، وتشجيع المبادرات الشبابية وإصلاح الأعطاب بتسخير أكبر غلاف مالي ممكن من مقدرات جهة العيون ولو على حساب مدن طرفاية وبوجدور والعيون، وتحويلها نحو المجال الحضري لهذا الإقليم النائي، والذي تضخ فيه وزارة الداخلية أكثر من 22 مليار سنتيم سنويا توزع على الجماعات الترابية وتذهب في مجملها إلى جيوب الموظفين والمستخدمين والأعوان والعرضيين.
باختصار يعني هذه بالضبط الأهداف والوعود الانتخابية، وتلك هي الآمال التي كانت معقودة على تجربة وبرنامج حزب الإستقلال بجماعة السمارة خلال سنة 2021، وهذا ما ظل تقريبا يدور ويجري لدى عدد كبير من الساكنة، وكذا داخل عقول ومنتسبي حزب الصامتين الذي تتسع رقعته يوميا بالاقليم بإيعاز من عفاريت وتماسيح معينة، لكن، وبعد مرور منتصف الولاية الإنتدابية، دعونا نطرح السؤال، ليس عن ماهية حزب الصامتين وصدقيته، وإنما السؤال عن مخرجات تجربة المهندس الشريف على رأس جماعة السمارة بعيدا عن سياسة (التغراق)؟؟ وهل ترى حققت أهدافها وبأي نسبة؟ وماهي التعثرات وكذا المنجزات والتحديات، والأهم هو البحث عن الفروق الدلالية بين هذه الولاية الانتدابية وبين سابقاتها أي هل جاءت بجديد أو إضافة على السمارة وساكنتها ؟؟
في الواقع، الأجوبة على هذه الأسئلة هو أمر معقد ومركب وسابق لأوانه بأشهر قليلة من باب الإنصاف، ولو أن ملامحها بدأت تتضح في الأفق، من خلال إعلان جماعة السمارة مؤخرا قرب الإنتصار على دور الصفيح التي لن تستقيم معها أي تنمية وستكون أكبر شفيع لتجربة حزب الإستقلال الحالية، وسلاح دفاعي مضاد للغارات الجوية التي يشنها حزب الصامتين، بل وسيصيب القضاء على مخيمات الربيب ولكويز من طرف رئيس جماعة السمارة بعض اللوبيات التي كانت مستفيدة، وسيضربها في مقتل، بعد أن كانت تستعمل الربيب ولكويز كخزان إنتخابي في الإلهاء بالأمل، وإعطاء الوعود، بإنهاء أزمة الإسكان على مستوى الشكل، أما على مستوى المضمون فكانت هذه اللوبيات تقوم بتوطيد دور الصفيح بل وتثمينها وإشعاعها وترسيخها، وإفشال أي مخططات تروم إسكان مواطني المخيمات والوقوف ضد أي مساعي لأجل تحسين ظروف معيشتهم اليومية.
هذا من جانب، أما من جانب أخر فإن حزب الصامتين بمدينة السمارة ليس وحده النشيط محليا، فعلا هو قوي ومؤثر، لكن لا ننسى، أنه يقابله حزب أخر نسميه حزب المتفائلين ويضم أصحاب مقولة “أين المفرُ” وأصحاب مقولة التغيير (فيه وفيه، وألا بشور علينا)…إنه حزب يتكون من شريحة مجتمعية هامة بينها شيوخ وأعيان ومنتخبين وبرلمانيين، وهو حزب عموما ناطق باسم حزب الإستقلال، ويدين بالتبعية إلى ولد الرشيد، ويقف من وراء هذه التجربة التي تباشرها جماعة السمارة، التي لم تكن تحتاج في نظرنا إلى مهندس طبوغرافي للنهوض بها، بقدر ما تحتاج إلى شخصية تكنوقراطية متحررة وغير مقيدة بأي قررات معينة، همها هو الإشتغال وليس الحفاظ على الكرسي لولاية ثانية وثالثة أو طموح مقعد برلماني، شخصية تكنوقراطية غير مرهونة لدى الأحزاب وخطاباتها الشعبوية وتوازناتها السياسية، شخصية تكنوقراطية غير مسكونة بهواجس الصناديق الإنتخابية، شخصية تقنية تعمل وتسير بمنهجية وبوصلة محددة.
وبعيدا عن التبخيس، وأحزاب الصامتين والناطقين، فإن جماعة السمارة تتحمل أعباء الجماعات القروية وتدفع باهضا ثمن وجودها عبر تشتت الميزانيات المحولة من وزارة الداخلية، ومن كبح لجماح التطوير ونهضة المجال الحضري للجماعة التي شهدت تغييرات طفيفة على مستوى الجهاز الإداري في إنتظار تحقيق ذلك على مستوى الواقع، رغم ما أصدرته رئاستها من قرارات مهمة وقاسية أظهرت من ناحية أخرى أنها لا تحسب الأمور بالعملة الإنتخابية، ولو كانت ذلك، لما أقدمت على تلك القرارات التي همت مجالات عديدة من أبرزها ميدان التعمير، وغيره مما لن يفيد بالشكل المطلوب في ظل وجود جماعات قروية تعتبر حجرة في حذاء البلدية، ويستوجب بتر إثنتين منها على الأقل، والحفاظ على ثلاث جماعات منها إستراتيجية، وهي بغض النظر عن رؤساءها جماعة حوزة، والجديرية، وسيدي أحمد لعروسي.
وبالعودة إلى تلك القرارات القاسية والهامة التي أصدرتها جماعة السمارة بخصوص تنظيم التعمير وهيكلته، فإنه يمكن القول أن أكبر ما سيواجه هذه التجربة التدبيرية هو سوء الفهم بينها مع المواطنين الذي لا يهم جزء كبير منهم مع الأسف، الإصلاح ولا إحداث الساحات العمومية ولا خلق المسابح أو القاعات الرياضية، ولا تحسين خدمة المرفق العمومي، إنما همهم الوحيد هو التشغيل والفرص المدرة للدخل، والكارطيات والعرضيات وما سيضعونه بجيوبهم، وهذا في جو من النفور والعصيان والرفض التنموي بغاية المحافظة على تلك البساطة والخصوصية المجالية……ليس مطلوبا من السياسيين أن يلبسوا القفازات قبل الدخول إلى مطبخ القرار السياسي، ورجل الدولة والتدبير المحلي هو الذي يضع يده في الملفات الحارقة ويتخذ القرارات القاسية، ولا يخرج من المطبخ إلا بعد أن يترك جزءا من جلده هناك، قد لا يفهمه الناس وقد يفقد محبيه وداعميه، وقد يخسر الإنتخابات، وقد لا يحصل على ولاية ثانية، لكن التاريخ سيذكره وسينصفه ولو بعد حين.