العيون الآن
حمزة وتاسو
تصعيد بلا حدود: قراءة في معركة الجزائر المفتوحة ضد المغرب
منذ عقود لم تخف القيادة الجزائرية عداءها المعلن للمغرب، غير أن السنوات الأخيرة كشفت عن تحول نوعي في هذا الموقف، قاده إلى استراتيجية تصعيد شاملة تتقاطع فيها السياسة، الرقمنة، الإعلام، الاقتصاد، الثقافة، بل وحتى التاريخ والجغرافيا.
وإذا كانت شعوب المغرب العربي متعطشة إلى الوحدة والتكامل، فإن السياسات الرسمية للجزائر للأسف، تسير في الاتجاه المعاكس، ساعية إلى تقويض استقرار المغرب ووحدته الترابية، وفيما يلي قراءة تحليلية لأهم أوجه هذا التصعيد:
القطيعة التي أعلنتها الجزائر من طرف واحد في 2021 لم تكن سوى تتويج لمسار طويل من التشنج، بلغ ذروته بمحاولات عرقلة جهود المغرب السلمية في ملف الصحراء، وشن حملات سياسية ضد الدول التي تدعم مقترح الحكم الذاتي المغربي، سواء كانت إسبانيا أو فرنسا أو حتى دولا إفريقية صاعدة.
هذا الخطاب العدائي الذي بلغ أحيانا حدود اللامعقول، يعبر عن أزمة رؤية في السياسة الخارجية الجزائرية أكثر مما يعكس مصلحة حقيقية للشعب الجزائري الشقيق.
وإذا كانت الجبهة السياسية قد شهدت هذا القدر من التصعيد، فإن الفضاء الرقمي لم يكن في منأى عن تلك التوترات، بل تحول إلى ساحة جديدة للمواجهة غير المباشرة.
شهد الفضاء الرقمي موجات متكررة من الهجمات السيبرانية، استهدفت مؤسسات مغربية ومواطنين عاديين، من خلال حملات قرصنة ونشر بيانات خاصة، في تجاوز صارخ لأخلاقيات التعامل الإلكتروني، ومحاولة فاشلة لبث الخوف وزعزعة الثقة في المؤسسات المغربية.
وبموازاة الهجمات الرقمية تحولت المنابر الإعلامية الجزائرية إلى أداة رئيسية في هذه الحرب المفتوحة، تعتمد التضليل وترويج الأكاذيب كسلاح دائم.
لا يكاد يمر يوم دون أن تطالعنا وسائل الإعلام الجزائرية الرسمية بسيل من الأخبار المضللة والمغالطات حول المغرب، يتكرر الحديث عن “أزمات” مفترضة أو فبركة أحداث وتحريف وقائع، في إطار دعاية سياسية واضحة المعالم، هدفها تشويه صورة المغرب داخليا وخارجيا.
وإذا كان الإعلام يشتغل على المستوى الرمزي والمعنوي، فإن الجانب الاقتصادي لم يكن أقل حدة في هذا التصعيد.
منذ إغلاق الحدود البرية وقطع العلاقات الجوية، وفرض التأشيرات من طرف واحد، وحتى منع التجارة وعرقلة الشحنات البحرية المرتبطة بالمغرب، يتضح أن الجزائر تعتمد سياسة “المعاقبة الاقتصادية” تجاه دولة جارة، في تناقض تام مع قيم التعاون المغاربي والتكامل الإقليمي، هذه السياسات لم تقتصر على الاقتصاد، بل تجاوزته إلى محاولة تقويض الهوية الثقافية المغربية في عمقها الرمزي.
من القفطان المغربي إلى الزليج، ومن المطبخ المغربي إلى فنون العمارة، يتعرض التراث المغربي لحملات متكررة من “السطو الرمزي”، في محاولات لإعادة نسب رموز الهوية المغربية إلى الجزائر، رغم أن المؤسسات الدولية كـ”اليونسكو” تصدت مرارا لهذه المزاعم، وما دام التراث لا يمكن فصله عن التاريخ، فقد امتد هذا التزييف ليشمل حتى سرديات الماضي ومحطات الذاكرة الجماعية.
من خلال منصات مثل ويكيبيديا ومحتويات إعلامية موجهة، تحاول بعض الأصوات الجزائرية الترويج لروايات تاريخية مزيفة، تنسب أمجاد المرابطين والموحدين والمرينيين إلى جغرافيا مغايرة، في تجاهل فاضح للحقائق التاريخية التي لا يمكن محوها بتعديلات رقمية، وفي ظل هذا التراكم من السياسات العدائية، يبقى أخطر ما في المشهد هو البعد العسكري، الذي لا يزال يتغذى من دعم ميليشيات انفصالية تهدد الأمن والاستقرار.
ما زالت الجزائر تحتضن وتسند ميليشيا انفصالية مسلحة مسؤولة عن مقتل مدنيين مغاربة، آخرهم ضحايا الهجوم الصاروخي على مدينة السمارة، والذي استهدف منطقة سكنية قرب بعثة “المينورسو”، ومع تضاعف ميزانية الدفاع الجزائرية إلى 25 مليار دولار، تتصاعد المخاوف من أن يكون التصعيد العسكري هو الفصل القادم في هذه الاستراتيجية المعادية.
وفي مواجهة كل هذه التحديات المتزامنة، يبرز عنصر واحد حاسم، إنه وعي المغاربة وارتباطهم العميق بثوابتهم الوطنية.
في خضم هذا التصعيد المتعدد الأوجه، ينبغي أن يبقى الوعي المغربي متيقظا، فالاستهداف ليس ظرفيا ولا عابرا، بل هو ممنهج وممتد وهدفه واحد النيل من وحدة المغرب واستقراره، لكن المغرب بثوابته الوطنية، وبحنكة قيادته، وبوحدة شعبه، يواجه هذه التحديات بسياسة رزينة، وبخطاب متزن، دون أن يتنازل عن أي شبر من سيادته، أو يتراجع عن أي حق من حقوقه.
الرد الحقيقي على هذه الاستراتيجية العدائية ليس في الانجرار وراء الاستفزاز، بل في تعزيز الجبهة الداخلية، وتحصين الوعي، والاستثمار في التنمية، وتثبيت الرواية التاريخية الصحيحة، والتواصل مع العالم بلغة الحق والحجة، ففي النهاية الحقيقة لا تهزم والمغرب، كما كان دائما، في صحرائه، والصحراء في مغربها.