بعدما انتهت الانتخابات البرلمانية، يوم السابع من أكتوبر 2016، والتي فاجأت الكثرين، عاد حزب العدالة والتنمية الى صدارة المشهد السياسي بالمغرب، بحصد أكبر عدد من المقاعد، وحاز على ثقة الشعب حسب النتائج المعلنة، فاعتبر هذا الفوز فرصة أخرى لمواصلة إصلاحاته الاقتصادية والاجتماعية. الا ان النظام الانتخابي بالمغرب لا يخول له بمفرده تشكيل الحكومة، مما يجبره على فتح باب التحالفات للحصول على أغلبية مطلقة، فحزب الاصالة والمعاصرة الذي يليه ، كان واضحا منذ البداية وعبر عن عدم مشاركته في هذه الحكومة وأن الدخول لها خط أحمر، عكس بعض الاحزاب التي أبدت إستعدادها للتحالف مع ابن كيران، لتبدا لعبة شد الحبل بعدما كان حزب الاستقلال الاقرب لدخولها خرج امينه العام بتصريحات خلفت أزمة كبيرة بين المغرب و موريتانيا، إضطر معها ابن كيران الى زيارتها والاعتذار منها، بل أكثر من ذلك إعتبر تصريحات شباط لا تمثل الا هو وحزبه، ولا تتماشى مع دبلوماسيتنا، فاصبح لزاما التخلي عن هذا الحليف وفتح باب المشاورات من جديد مع أحزاب أخرى أهمها التجمع الوطني بقيادة اخنوش والحركة في شخص امينها العام العنصر.
فالفصل 47 من الدستور واضح، بموجبه الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، ولكن الاشكال المطروح الان هو صعوبة تلك التحالفات، فكل حزب يريد ضمان مصالحه بأقل الاضرار وحتى وان لم يستطع ابن كيران تشكيلها، فإن الملك يمكنه أن يعين شخصا ثانيا من نفس الحزب، وثالثا إن اقتضت الضرورة، وان فشلت المحاولات انذاك يمكن العودة الى صناديق الاقتراع وهذا احتمال ضئيل، فالعرض الذي تقدم به ابن كيران للاحزاب الاخرى، يجب ان تكون فيه تنازلات من جميع الاطراف للوصول لهذا الائتلاف الحكومي.
إن التحالف مع الاحرار والحركة الشعبية اللذين تجمعهما مصالح مشتركة مع الاصالة والمعاصرة، قد يعجل باسقاط الحكومة فالعادلة والتنمية تعي هذا المعطى، وتحاول خلق توازنات ومحاولة جلب أحزاب أخرى لهذا التحالف. فبعد عودة الملك من الزيارة الافريقية، بعث مستشاريه : عبد اللطيف المنوني و عمر القباج، حرصا منه على انهاء البلوكاج الحكومي، وتشكيل الحكومة في اسرع وقت.
إن المسار الديمقراطي العسير سيفرز نتائج متباينة بعدما كان باب الحوار مفتوحا بين ابن كيران واخنوش، والذي انتظر رد هذا الاخير في مهلة يومين، للبث في مقترحاته، الا انه لم يتوصل بهذا الرد، مما جعل ابن كيران ينهي تلك المشاورات،” فانتهى الكلام مع الاحرار” و تعود أزمة تشكيل الحكومة من جديد، والتي دخلت منعطفا حاسما، باصداره بلاغا مساء الاحد الثامن من يناير 2017 ، يعلن فيه للرأي العام، إستحالة المفاوضات مع حزبي الاحرار والحركة بعدما اعلنا عملهما المشرك مع الاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي، للوصول للائتلاف حكومي قوي، وهو ما لم يوافق عليه حزب العدالة والتنمية.
هكذا اصبح ابن كيران معزولا بعدما سبق له ان اعلن حصر المشاركين بالحكومة في أحزاب الحركة، التجمع والتقدم والاشتراكية، الحليف الاستراتيجي منذ البداية لتشكيل حكومة قوية قادرة على مواجهة التحديات التي يمر منها المغرب، مؤكدا إستبعاد الاستقلال رغم تقارب وجهات النظر بين الحزبين. فالدعوة حسب ابن كيران لم توجه الا لحزبي الحمامة والسنبلة دون غيرهما.
إن نمط الاقتراع بالمغرب لا يتيح الاغلبية لاي حزب عن الاخر، يجعل الجميع يبحث عن تحالفات قوية، لاستكمال هذه الاغلبية المريحة، فالعدالة والتنمية بصفتها المخولة دستوريا يجب عليها التحالف مع ثلاث أحزاب على الاقل للوصول لهذا الائتلاف، فانهاء المشاورات مع الاحزاب الاخرى خلف ضجة كبيرة، واكد عمق الازمة السياسة التي يمر بها المغرب بعد مرور ثلاثة اشهر دون تكوينها، فالتكتل الذي يقوده أخنوش يهدد نسف مسار المفاوضات، لانه وبكل بساطة يتوفر على أغلبية قد تغلق باب المشاورات وتجعل ابن كيران يفكر في حل للخروج من هذا المأزق، وتقديم تنازلات أخرى.
إن الخروج من هذه الازمة يكمن في وعي الاطراف كاملة بصعوبة المرحلة ومحاولة تفادي الاشكالات فابن كيران وجب عليه التراجع عن البلاغ وفتح مشاورات جادة من جديد، ومحاولة طي الخلاف والحفاظ على هذا الائتلاف، كذلك على الاحزاب الاربعة الاخرى تليين موقفها والعودة لطاولة التفاوض.
ففوز حزب الوردة في شخص لحبيب المالكي بمنصب رئاسة البرلمان 198 صوتا ، يجسد دعم التجمع الوطني للاحرار والاصالة والمعاصرة وغيرها من الاحزاب الاخرى الداعمة له، هذه التجاذبات السياسية أفرزت هذا الواقع فالعدالة والتنمية صوت بالاوراق البيضاء والاستقلال انسحب، فكانت الفرصة مواتية للتحالف الاقوى حاليا للفوز، قد يكون سببا في تحريك عجلة المشاورات التي تعثرت بعدما كانت في مسارها الصحيح، فأن يترأس البرلمان حزب حصل على مرتبة ما قبل الاخيرة، يعد سابقة من نوعها في المشهد الساسي بالمغرب ، ولعل ما عجل بانتخاب رئيس للبرلمان وتشكيل هياكله ولجانه، هو التصويت على عودة المغرب للاتحاد الافريقي، والمصادقة على قانونه الاساسي.
ويبقى السؤال الجوهري الى متى هذه الازمة ؟ وهل باستطاعة الاحزاب الخروج من هذا البلوكاج بتوازنات تتيح تشكيل الحكومة ؟ هل سنشهد سيناريوهات أخرى تزكي هذا البلوكاج ؟ وهل الحل يكمن في حل البرلمان والدعوة لاعادة الانتخابات ؟ وهل يوجد شخص أخر قادر على تحمل المسؤولية و تشكيل الحكومة من داخل حزب العدالة والتنمية ؟
وتبقى الايام المقبلة كفيلة للاجابة عن هذه الاسئلة وغيرها ؟