محمد أحمد حمنة
يبدوا على أن واقع الأمر يمر من سيئ إلى أسوء و يتجلى ذلك جليا للعيان من خلال المقارنة الواضحة بين الثروات الهائلة لهاته الرقعة الجغرافية الصغيرة. التي تقدر بعشرات التريليونات من الدولار.لكن في الجانب الأخر نجد شباب حاصل على أعلى الشهادات التي يمكن أن يحصل عليها طالب علم كالماستر و الدكتوراه و يشاهد بأم عينيه أشخاص يأتون من مدن أخرى لهم نفس الشهادة أو أدنى منها و يشتغل في ميناء الداخلة آو بلدية بوجدور آو فوسفاط العيون أو إدارة من إدارات السمارة و كأنما المعطلين الصحراوين مجرد أصنام أو كراكيز لا تصلح لشيء.فبالأمس القريب شهدت مدينة الأولياء ” السمارة ” نوع جديد من النضال الغير متوقع انبهر له القاصي و الداني، و لا يمكن تصوره لان طريقة وصول المعطلين الصحراويين إلى أعلا القبة و فتح اعتصام مفتوح لعدة أيام تجنبا للمضايقات التي يتعرضون لها يوميا من رفس و سحل و تفنن في تكسير العظام من طرف قوات القمع بجميع ألوانها و تلاوينها ، بزيهم الرسمي و المدني و كأنهم في مواجهة مع مستعمر أو عدو لدود، بينما هو في الواقع شباب لم يطلب المستحيل بل طالب فقط بلقمة عيش بسيطة متمثلة في حقه في الشغل الذي تكفله كافة المعاهدات و المواثيق الدولية سرا و علانية.فمشعل حراك المعطلين الصحراويين انتقل اليوم إلى مدينة العيون بحيث أن مجموعة من الشباب الصحراوي المعطل عن العمل المنتمي لفئة الأطر العليا بالإضافة إلى مجموعة الشباب الصحراوي المقصي من توظيفات الفوسفاط الوهمية المشبوهة التي لم يعلن رسميا عن لائحة التوظيفات للعلن و هذا يبرهن للكل على ان التلاعب بحقوق المعطلين هو امر عادي في الصحراء و ليست هناك أي مراقبة. فهؤلاء المعطلين الذين يتجاوز عددهم الخمسين على اقل تقدير قاموا باقتحام حافلة تابعة لشركة الفوسفاط كخطوة تصعيدية و بدأ اعتصامهم الحضاري كشكل جديد من الاعتصام الراقي للتعبير عن مدى استيائهم من السلطات المعنية بتدبير ملف المعطلين و المقصيين من توظيفات الفوسفاط التي واجهتهم في الكثير من الأحيان بالتماطل و في أحيان أخرى بالرفض المباشر و كأنما الأمر لا يعنيهم من قريب أو بعيد و همهم الوحيد هو استنزاف الأرض و من عليها من بشر و دواب و كأنما انه ليس للبيت رب يحميه. ولكن هيهات هيهات فالصحراء لديها أهلها يحمونها من لصوص المكر و الخديعة فالدهر يومان يوم لك و يوم عليك.فمن خلال ما سبق يبدوا في الأفق على أن دور مدينة الداخلة لحمل المشعل أصبح قاب قوسين أو أدنى نظرا للاحتقان المتكرر من طرف قوات القمع تجاه معطلي المدينة الذين يشاهدون أسبوعيا بل يوميا مهرجانات تختلف تسمياتها لكن غرضها الواحد هو سرقة أموال المنطقة. فبدل استثمار الأموال المهدورة من مهرجان واحد والذي تكون كلفته على اقل تقدير عشرة ملايير في شباب المنطقة المهمش يتم صرفها في أمور لا تعني أهل المدينة في شيء كأنما هو الضحك على الذقون.فانطلاقا من النظرة الشمولية للأحداث و البحث في ثنايا المستجدات على ارض الواقع يتضح على أن بوصلة التنمية التي سمعناها مرارا و تكرارا ضلت طريقها منذ زمن بعيد و أن الواقع يبرهن على زيف و كذب الأخبار التي تقول بان سكان الصحراء يعيشون في رغد و سلام و طمأنينة و راحة يعجز العقل عن تصورها.فواقع الأمور ينبئ بثورة شبابية لكافة المعطلين بمدن الصحراء قد تقلب موازين القوة في أي لحظة و ينقلب السحر على بعض السحرة الذين تربعوا على تدبير أمور المنطقة لما يقارب عقد من الزمن أو أكثر و لكن لا تغيير يذكر سوى زيادة خيالية في حساباتهم البنكية تتوازى معها زيادة كبيرة جدا لعدد المعطلين الصحراويين. فخطوة النضال الجديدة التي بدأت تجربتها من السمارة ها هي الآن تتجدد في حلة جديدة في مدينة العيون و الدور قادم على باقي المدن كبوجدور والداخلة. فطرق الاعتصامات التقليدية أصبحت متجاوزة لان السلطات المعنية تنهج سياسة الأذان الصماء و الأعين البصيرة التي لا ترى أمامها أي شيء سلبي.فالإشكال الأكبر هو أن العديد من المسؤولين الذين يديرون ملفات المنطقة نسوا بأن دوام الحال من المحال و أن معطلي مدن الصحراء لم و لن يرضوا بالاهانة و الاحتقار مدى الحياة فما ضاع حق ورائه مطالب. فردة الفعل السيئة المتمثلة في القوة دائما ما ترجع بالنتائج السلبية و الفعل دائما ينتج عنه ردة الفعل ، فحذاري حذاري من ردة فعل شعب مظلوم و كما قال محمود درويشحذاري من جوعي و من غضبي .فقال في نهاية قصيدته المشهورة :
سجِّل.. برأسِ الصفحةِ الأولى
أنا لا أكرهُ الناسَولا أسطو على أحدٍ
ولكنّي..
إذا ما جعتُ آكلُ لحمَ مغتصبي
حذارِ.. حذارِ..
من جوعي ومن غضبي