العيون الآن
ملعين الحافظ // العيون الساقية الحمراء.
منذ توليه العرش في الثالث والعشرين من يوليوز 1999، أطلق الملك محمد السادس مرحلة جديدة من التحول الشامل في المملكة المغربية. على مدار ربع قرن، نجح الملك في توجيه المغرب نحو الاستقرار السياسي، التنمية الاقتصادية، وتعزيز العدالة الاجتماعية، ليصبح المغرب نموذجا يحتذى به في المنطقة، بفضل رؤيته التي مزجت بين الحفاظ على التراث الوطني والسعي نحو التحديث والتقدم.
البداية..رؤية للإصلاح والتقدم
مع بداية حكمه، واجه الملك محمد السادس مجموعة من التحديات السياسية والاجتماعية التي كانت تستوجب إصلاحات عميقة. من أبرز هذه الخطوات كان تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة عام 2004، التي شكلت نقلة نوعية في التعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان السابقة، وأسست لعهد جديد من المصالحة الوطنية، مما عزز ثقة الشعب في مؤسساته.
الإصلاحات السياسية والدستورية
أدرك الملك محمد السادس ضرورة تعزيز المشاركة السياسية وتوسيع صلاحيات المؤسسات. جاءت التعديلات الدستورية لعام 2011 استجابة لمطالب الحراك الشعبي، حيث عززت من سلطات البرلمان ورئيس الحكومة، ووسعت من الحريات العامة. هذه الإصلاحات السياسية لم تكن مجرد استجابة آنية، بل كانت تعبيرا عن التزام طويل الأمد بإرساء ديمقراطية حديثة ومستدامة، قائمة على المشاركة الشعبية وتمكين الشباب والنساء.
التنمية الاقتصادية والبشرية
في مواجهة الفقر والتفاوتات الاجتماعية، أطلق الملك عام 2005 المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي أصبحت ركيزة أساسية لتحقيق تنمية شاملة. هذه المبادرة ساعدت في تحسين الظروف المعيشية للفئات الأكثر هشاشة، وعملت على تعزيز البنية التحتية في المناطق النائية. من ناحية أخرى، شهد المغرب نهضة كبيرة في مجال البنية التحتية، مثل ميناء طنجة المتوسط، الذي جعل المغرب مركزا تجاريا حيويا بين أوروبا وإفريقيا، مما رفع من تنافسية الاقتصاد المغربي على المستوى الدولي.
المشاريع الكبرى..تطوير البنية التحتية
خلال فترة حكم الملك محمد السادس، شهد المغرب تنفيذ مجموعة من المشاريع الضخمة التي عززت من موقعه كوجهة استثمارية وتنموية. من أبرز هذه المشاريع كان القطار فائق السرعة “البراق”، الذي وضع المغرب على خارطة الدول الرائدة في التكنولوجيا المتقدمة للنقل. كما أن مشروع محطة نور للطاقة الشمسية في ورزازات، الذي يعد واحدا من أكبر المشاريع في مجال الطاقات المتجددة، يبرز التزام المملكة بتحقيق تنمية مستدامة وتقليل الاعتماد على الطاقة التقليدية.
الرؤية الاجتماعية: تحسين مستوى المعيشة وتعزيز العدالة
كانت القضايا الاجتماعية في صلب اهتمام الملك محمد السادس منذ بداية حكمه. مبادرة “مدن بدون صفيح” التي انطلقت في 2003، مثلت خطوة كبيرة في تحسين الظروف السكنية للأسر الفقيرة، إلى جانب تأسيس صندوق دعم التماسك الاجتماعي، الذي يقدم دعما للأسر المعوزة ولذوي الاحتياجات الخاصة. هذه الجهود تؤكد حرص القيادة على تحقيق العدالة الاجتماعية وتقليص الفوارق الطبقية.
كرونولوجيا الإنجازات: خطوات ثابتة نحو التقدم
شهد المغرب تحت قيادة الملك محمد السادس تحولات جوهرية على مدار سنوات حكمه. ففي عام 2000، تم إطلاق برنامج التأهيل الترابي لتطوير المناطق القروية. وفي 2004، أُسس مجلس الجالية المغربية بالخارج لتعزيز الروابط بين المغاربة المقيمين في الخارج ووطنهم. كما انطلق برنامج الإصلاح التعليمي عام 2008 لتحسين جودة التعليم، وأطلقت الاستراتيجية الوطنية للطاقة عام 2012 لتعزيز حصة الطاقات المتجددة في مزيج الطاقة الوطني.
في عام 2015، كانت الزيارة الملكية للأقاليم الجنوبية حدثا محوريا، حيث أعطى الملك انطلاقة النموذج التنموي الجديد لتلك المناطق، مشرفا على مشاريع كبرى، منها تطوير البنية التحتية وتعزيز الاستثمار في القطاعات الاقتصادية الحيوية كالصيد البحري والسياحة. هذه المشاريع ساهمت في ترسيخ دور الأقاليم الجنوبية كقطب اقتصادي منفتح على العمق الإفريقي.
الرؤية المستقبلية: السياسة والاقتصاد والمجتمع
تركز الرؤية المستقبلية للملك محمد السادس على تعزيز الديمقراطية والمؤسسات، مع ضمان مشاركة أوسع للشباب والنساء في الحياة السياسية، وضمان شفافية أكبر في الانتخابات. على المستوى الاقتصادي، يسعى الملك إلى تحويل المغرب إلى مركز إقليمي للطاقة المتجددة، عبر مشاريع ضخمة مثل رفع حصة الطاقة الشمسية والرياح في مزيج الطاقة الوطني إلى 52% بحلول عام 2030. كما تستهدف الرؤية المستقبلية تعزيز الاستثمار في التكنولوجيا والابتكار لدفع عجلة النمو المستدام.
التحديات المستقبلية..فرص وطاقات
ضمن الرؤية المستقبلية، يعد استضافة كأس العالم خطوة استراتيجية تسعى إلى تعزيز مكانة المغرب الدولية. هذه الخطوة، التي تتطلب تطوير البنية التحتية الرياضية وتحقيق معايير عالمية في تنظيم الفعاليات الكبرى، تمثل فرصة لاستثمار طاقات الشباب المغربي وإبراز وجه المملكة الحديث على الساحة الدولية.
المغرب كقوة إقليمية
يتطلع الملك محمد السادس إلى تعزيز مكانة المغرب كقوة إقليمية في شمال إفريقيا، وذلك عبر تعزيز التعاون الاقتصادي مع الدول الإفريقية، وتوقيع اتفاقيات شراكة تشمل مجالات حيوية مثل الزراعة، الصحة، والتعليم. هذه الشراكات تشكل ركيزة أساسية لتعزيز الدور المغربي في الساحة الإقليمية، وترسيخ مكانته كجسر يربط بين إفريقيا وأوروبا.
ملف الصحراء المغربية: قضية وطنية وسياسة خارجية حكيمة..
في المجال الدولي، حقق الملك محمد السادس نجاحات بارزة في ملف الصحراء المغربية، من خلال تعزيز علاقاته مع القوى الكبرى كفرنسا والولايات المتحدة. كانت الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء في 2020 واحدة من أهم الانتصارات الدبلوماسية التي عززت الموقف المغربي في هذا النزاع المفتعل. وكما قال الملك: “قضية الصحراء هي النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهي المعيار الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات”.
من الواضح أن الملك محمد السادس قد قاد المغرب خلال ربع قرن من حكمه بنهج متوازن بين الحفاظ على التراث الوطني وبين تبني الإصلاحات الضرورية لتحقيق التنمية. من خلال التركيز على القطاعات الحيوية مثل التعليم والطاقة والبنية التحتية، كان الملك واضحا في رؤيته لتحويل المغرب إلى دولة رائدة على الصعيدين الإقليمي والدولي. ومع استمرار هذه الجهود، يبقى التحدي الأبرز هو ضمان استدامة هذه الإنجازات في ظل التغيرات الجيوسياسية العالمية.
ويتبين أن المغرب يسير بخطى ثابتة نحو مستقبل مشرق، مدفوعا برؤية قيادية حكيمة تضع الإنسان والتنمية المستدامة في صلب اهتماماتها. إن استمرار هذه الدينامية سيضمن للمغرب مزيدا من التقدم والاستقرار في العقود القادمة، مما يجعله نموذجا يحتذى به في المنطقة.