العيون الآن
السالكة دايدا//العيون
الجزائر وتغيير موقفها من سوريا: من دعم الأسد إلى التعامل مع الحكومة الجديدة..
في تحول واضح من مواقفها السابقة، أجرى وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، زيارة رسمية إلى دمشق للقاء القيادة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع. هذه الزيارة، التي تأتي بعد سنوات من دعم الجزائر لنظام بشار الأسد، تعكس تحولًا في سياسة الجزائر الخارجية، والتي لطالما اتسمت بالتماسك في العلن، لكنها في الواقع أثبتت أنها سياسة متأرجحة وغير متماسكة، تكيل بمكيالين بحسب تغير المعطيات على الأرض.
الجزائر.. داعم ثابت للأسد حتى آخر لحظة
كانت الجزائر واحدة من الدول العربية القليلة التي حافظت على علاقتها الوثيقة بنظام بشار الأسد منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، حيث تبنّت موقفًا داعمًا له في المحافل الدولية، ورفضت قرارات الجامعة العربية الهادفة إلى عزله. كما عارضت بشدة تسليح المعارضة السورية، مستندة إلى تجربتها المريرة مع الجماعات المسلحة خلال “العشرية السوداء” في التسعينيات.
في 2020، جددت الجزائر مطالبتها بإعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وواصلت موقفها الداعم للنظام السوري حتى عام 2023، عندما تمكنت من إقناع بعض الدول العربية بدعم إعادة دمشق إلى الجامعة العربية خلال قمة الجزائر. في المقابل، التزمت الصمت إزاء الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها النظام السوري بحق شعبه، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيماوية وقمع المدنيين وتهجير الملايين.
تبدّل الموقف.. سياسة براغماتية أم فشل دبلوماسي؟
مع انهيار نظام الأسد وصعود المعارضة السورية المسلحة إلى السلطة، وجدت الجزائر نفسها في موقف حرج، حيث باتت مجبرة على الاعتراف بالحكومة الجديدة، ولو بشكل متأخر. زيارة أحمد عطاف إلى دمشق، التي كان نظامها السابق يُصنَّف كـ”حليف استراتيجي” للجزائر، تأتي كخطوة اضطرارية للحفاظ على مصالحها الإقليمية، ولكنها تكشف في الوقت ذاته عن فشل السياسة الجزائرية في التكيف المبكر مع التحولات الكبرى في المنطقة.
هذا التحول يضع الجزائر في خانة الدول التي لا تملك رؤية استراتيجية واضحة، فهي من جهة دعمت الأسد حتى آخر لحظة، متجاهلة الجرائم المرتكبة ضد الشعب السوري، ومن جهة أخرى، اضطرت اليوم للحاق بركب الدول التي سارعت إلى التعامل مع القيادة الجديدة، في محاولة لتفادي العزلة الإقليمية والدبلوماسية.
ازدواجية المعايير.. دعم الأنظمة القمعية ومساندة الانفصاليين
السياسة الجزائرية في سوريا ليست استثناءً، بل جزء من نهج أوسع يعكس ازدواجية المعايير في مواقفها الدولية. فبينما دعمت نظام الأسد حتى سقوطه، بحجة رفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول، نجدها في المقابل تساند حركة “البوليساريو” الانفصالية، متجاهلة قرارات الأمم المتحدة ومبدأ احترام سيادة الدول، الذي تدّعي الالتزام به.
هذا التناقض الواضح يثير تساؤلات حول مدى مصداقية الجزائر على الساحة الدولية، خاصة بعد أن اضطرت اليوم إلى تغيير موقفها من سوريا والانضمام إلى بقية الدول العربية التي سبقتها في دعم الحكومة الجديدة، بعد أن كانت آخر المدافعين عن نظام الأسد المنهار.
الجزائر في موقف المتفرج لا صانع القرار
زيارة عطاف إلى دمشق تعكس سياسة ردّ الفعل أكثر من كونها استراتيجية محسوبة، ما يؤكد أن الجزائر لم تكن صانعة للأحداث في سوريا، بل كانت مجرد متفرج يحاول اليوم تصحيح مساره بعد أن راهن على الطرف الخاسر. هذا الموقف المتأخر يكرّس صورة الجزائر كدولة لا تملك رؤية استباقية، بل تكتفي بمجاراة المتغيرات عندما يصبح التغيير أمرًا واقعًا لا يمكن تجاهله.